الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم
.المبحث التاسع: كتابة القرآن ورسمه: .الكتابة عند العرب: وفي رواية أبي عمرو الداني عن زياد بن أنعم عن ابن عباس أن حربا تعلم الخط من عبد الله بن جدعان، وعبد الله تعلم من أهل الأنبار، وأهل الأنبار تعلموا من طارئ طرأ عليهم من اليمن، وهذا الطارئ تعلم من الخلجان بن موهم وكان كاتب الوحي لهود نبي الله عن الله عز وجل، وبذلك وجد من يكتب بمكة قبل البعثة. وأما الخط في المدينة المنورة فقد ذكر أصحاب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها وكان فيها يهودي يعلم الصبيان القراءة والكتابة، وكان فيها بضعة عشر رجلا يعرفون الكتابة منهم زيد بن ثابت، الذي تعلم كتابة اليهود بعد الهجرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والمنذر بن عمرو، وأبي بن وهب، وعمرو ابن سعيد وغيرهم. ومن ثم نرى أن الكتابة وجدت في العرب قبل الإسلام، وكان الذين يحذقونها قليلين جدّا أما الغالبية العظمى فكانت أمية لا تقرأ ولا تكتب، ولهذا سميت الأمة العربية بالأمة الأمية. وقد كان وجود الكتابة في العرب قبيل الإسلام، إرهاصا لبعثة خاتم الرسل: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليجتمع للقرآن الكتابة في الصحف والتقييد في السطور إلى الحفظ في الصدور، وبذلك يتهيأ للقرآن من دواعي الحفظ ما لم يتهيأ لغيره ويتحقق وعد الحق جل وعلا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} وأيضا بعد صلح الحديبية، فقد كانت الكتابة من أسباب تبليغ الرسالة المحمدية إلى الملوك والأمراء فقد كاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم داعيا إلى عبادة الله وحده، والانضواء تحت لواء الإسلام، ونبذ الشرك وعبادة الأوثان، وبذلك تعدت الرسالة حدود الجزيرة العربية، إلى العالم المعروف آنئذ، وقد عثر على كتاب من هذه الكتب وهو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، وهو أثر من الآثار النبوية القيمة. .الإسلام والكتابة: وهذا هو الله سبحانه وتعالى يقسم بالقلم فيقول: {ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ} وفي القسم به من ذي الجلال إشادة به، وتنبيه الناس إلى ما فيه من الفوائد والمزايا. وفي الحديث الصحيح المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما خلق الله القلم، ثم قال اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة» رواه أحمد والترمذي وصححه. وإن دينا يشيد بالقلم هذه الإشادة لهو دين العلم والمدنية الصحيحة. وهذا هو النبي صلوات الله وسلامه عليه تواتيه أول فرصة لنشر القراءة والكتابة فينتهزها، كي يتعلمها أكبر عدد من أبناء المسلمين وصبيانهم؛ فقد روى الرواة الأثبات أن المسلمين أسروا في غزوة بدر الكبرى سبعين رجلا من المشركين فقبل النبي ممن عنده مال الفداء، وكان ذلك أربعة آلاف درهم من الموسرين، أما من كان يحسن القراءة والكتابة فقد جعل فداءه أن يعلم عشرة من غلمان المدينة القراءة والكتابة وقد فعل النبي هذا في وقت كان المسلمون أحوج إلى درهم ليزيلوا به خصاصتهم ويتقووا به على أعدائهم، ولكن ذا المواهب أدرك أن تعليم الأمة الكتابة خير من المال وأنها من عوامل تقدم الأمة ورقيها وبهذه السياسة الحكيمة كان النبي صلى الله عليه وسلم أول من وضع لبنة في إزالة الأمية من الأمم والشعوب: وأن الإسلام سبق إلى محاربة الأمية والجهل من قرابة أربعة عشر قرنا، على حين كان غيرهم ممن بيدهم مقاليد الأمور يحرصون على أن تبقى شعوبهم منغمسة في حمأة الجهل والخرافات، ولقد كان لهذه السياسة الرشيدة أثرها فقد انتشرت الكتابة بين المسلمين وانتشر العلم والمعرفة وصارت تنتشر في كل قطر فتحه المسلمون، ولا يخالف هذا ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» إذ هو إخبار عما كانت عليه غالبية الأمة، ثم صار العلم والثقافة الأصيلة من أخص خصائص الأمة الإسلامية. .كتابة القرآن الكريم: ثم كتب في عهد الصديق رضي الله عنه في صحف مجموعة، وكانت كتابته من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كتب في عهد عثمان رضي الله عنه في المصاحف على ما هو عليه، وكانت كتابته من عين ما كتب في عهد الصديق رضي الله تعالى عنه؛ إلا أنه اقتصر في رسمه على ما يوافق حرف قريش، وقد بينا آنفا في مبحث جمع القرآن الأطوار التي مرت بها كتابة القرآن وتدوينه، ولعلك على ذكر منها. .كتّاب الوحي: 1- ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه». 2- ما روي في صحيح البخاري من قول الصديق أبي بكر لزيد بن ثابت: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 3- ما رواه الترمذي أنه لما نزل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية قال عبد الله بن أم مكتوم وعبد الله بن جحش يا رسول الله إنا أعميان، فهل لنا رخصة؛ فأنزل الله {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بالكتف والدواة وأمر زيدا أن يكتبها فكتبها»، فقال زيد: فكأني أنظر إلى موضعها عند صدع في الكتف. .رسم المصحف: .ما هو رسم المصحف:
|